لامة الحرب.. رمز الشجاعة والفداء في قاعة عرض مقتنيات متحف الكفيل

في قاعة عرض مقتنيات متحف الكفيل للنفائس والمخطوطات التابع للعتبة العبّاسية المقدّسة، تقف لامة الحرب بكل ما تحمله من جمال و هيبة كتحفةٍ متكاملةٍ ليست كسائر المقتنيات، إذ لا تكمُن قيمتها في معدنها او عدد قطعها بل في ما تُجسّده من رمزية عالية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبطولة والتضحية والفداء و شجاعة أبي الفضل العباس عليه السلام في واقعة الطف .
تتكوّن هذه اللامة من سيفٍ وغمده، بالإضافة الى خوذة حديدية في الاسفل تعلوها قوسٌ وجعبةٌ مكتملة بعدّة السهام، وقد وُضعت القطع بتناسق بصري دقيق يُبرز تكاملها الحربي في مشهدٍ يجمع بين الصرامة العسكرية والجمال المتحفي، ومن خلال هذا التكوين الفني يظهر واضحاً أن الهدف من هذه القطعة لم يكن العرض فقط بل إعادة بعث صورة كاملة لجنديٍ مجهّزٍ بكامل عدته، مستعدٍ للدفاع حتى آخر رمق .
هي ليست مجرد لامة حربية صُمِّمت لتُعرض، بل هي أشبه بنصٍ صامتٍ ينطق بسيرة الشهامة و الشجاعة حيث يقف الزائر أمامها مشدوهاً لا لرهبة الحديد بل لعظمة المعنى فمن هذه القطعة يسطع نور شجاعة المولى ابي الفضل العباس عليه السلام، ذلك البطل الذي ما وهَنَ رغم العطش، وما تراجعَ رغم كثافة السيوف، فكان وحده جيشاً في الرجولة، وعنواناً للفداء .
تأتي هذه القطعة لتعيد إلى الذاكرة صورة ذاك القائد الذي خرج يطلب الماء لإخوته وأطفال الحسين عليه السلام، فمضى ثابت القلب، راسخ القدم، يُقاتل دفاعاً عن مبدأ، وعن إمام، وعن رسالة تشكل صدى لتلك اللحظة المفصلية حين دخل العباس بن علي عليهما السلام ساحة المعركة لا بهيئة رجلٍ مقاتلٍ فحسب، بل بمقام فارسٍ نذر دمه للوفاء وحياته للإيثار .
وفي أيام عاشوراء، حيث تتوشّح كربلاء بالحزن، وتغدو قبابها شاهدة على ملحمة الدم والحق تتّشح هذه القطعة بهالة من الخشوع، ويغدو النظر إليها بمثابة وقوف عند بوابة الزمن، ومن خلف زجاج العرض يستشعر الزائر أن هذه الأدوات ليست مجرد موروثٍ عسكري، بل شواهد على قِيَمٍ أُريقت من أجلها الأرواح .
ما يُميّز هذه القطعة، إنها تُعيد رسم صورة العباس عليه السلام وهو يقتحم الفرات و يحمل القربة بيد والسيف بالأخرى والراية فوق كتفه وعيناه صوب الخيام وقلبه معلّق بمصير الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته.
وهكذا، تتحول لامة الحرب من قطعة صامتة إلى وثيقة حية، تسرد بفصاحة ما عجزت عن قوله الكتب، وتُجسّد مفاهيم الفداء في أبهى تجلياتها و في حضرة هذه القطعة، يتوقف الزمن لحظة، ويصغي الزائر بنداء التاريخ ، هذا بعض من سيرة فارس الطف، الذي سطّر بدمه ودموعه ملحمةً لا تنتهي، وبقيت شجاعته تُروى جيلًا بعد جيل، وتُستحضر كلما هبّت نسائم محرّم، وكلما نظرت العيون صوب قباب كربلاء، وكلما رُفعت راية الحق في العتبات المقدسة .

علي نزار الحسيني
شعبة الاعلام المتحفي