ذاكرة عاشوراء في القِرَب و الكفوف المعروضة لدى متحف الكفيل

في قاعة العرض المتحفي تلتقي القِرَب والكفوف في مشهد يحمل تأريخ البطولات والفاجعة، تشكّل هذه المقتنيات امتدادًا وجدانيًا لذاكرة كربلاء، وتحديدًا لذاك الوقوف العظيم على ضفاف العلقمي.
تُعرض هذه القِرَب خلف الزجاج ، لكن حضورها لا يزال نابضًا، تقرأها أعين الزائر كما تُقرأ القصائد بحزن وبتأمّل وبخشوع فوق بعضها كتابات استُحضرت في مواكب العزاء، مثل" يا ساقي عطاشى كربلاء " فتمتزج دلالاتها وتستحضر بطولات أبي الفضل العباس عليه السلام، الذي خرج بالماء ولم يعد، وظلّ اسمه منذ ذلك اليوم مرتبطًا بكل قطرة وكل قربة.
إلى جوار القِرَب تُعرض مجموعة من الكفوف الرمزية، صيغت من المعادن والنحاس تُحاكي جميعاً الكفّ الذي بُتر في الطف، فأصبح راية تخفق بالحق إذ تُستخدم هذه الكفوف اليوم في المواكب بوصفها رمزًا لفداء العباس عليه السلام و لوفائه الذي لم ينكسر وتحوّلت إلى شعار خالد في وجدان كل من سار على درب الحسين عليه السلام.
الدكتور شوقي الموسوي معاون رئيس قسم متحف الكفيل يحدثنا عن خصوصية هذه المقتنيات قائلاً : ( هذه المقتنيات المعروضة ليست مجرد قطع أثرية صامتة، بل هي شواهد حيّة تذكرنا بملحمة الطف الخالدة، حيث تتجسد في تفاصيلها قصص العطش والإباء والفداء ، فعندما اشتد العطش بالإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه يوم عاشوراء، وتعالت أصوات الأطفال ينادون الماء، استأذن قمر بني هاشم أبو الفضل العباس عليه السلام من أخيه الحسين للذهاب إلى النهر فوصل وملأ القربة لكنه أبى أن يشرب منه ما دام الحسين عطشاناً وفي طريق العودة فقد العباس عليه السلام يديه وعينه في المعركة وأصيبت القربة بسِهام العداء، ثم ارتقى شهيداً وهو يحمل أمانة الماء ).
واكمل : ( إنها ملحمة الفداء والإيثار والمواساة، وهذه المقتنيات من قرب وكفوف وغيرها تمثل وثائق ناطقة، وشهادات خالدة، على انتصار الدم على السيف، وهي رسالة حضارية وإنسانية نوصلها إلى العالم عبر متحف الكفيل ).
لتكون هذه الفاترينا، بما تحمله من قِرَب وكفوف، ليست مجرّد مساحة عرض إنها نقطة التقاء بين العَين التي تُبصر والقلب الذي يتذكّر حيث تتحوّل فيها المعروضات إلى أبواب مفتوحة على واقعة الطفّ وتبقى شاهدة لا على تاريخٍ مضى بل على استمرار الحزن عامًا بعد عام.
في محرّم الحرام يزداد وقع هذه الفاترينا في قلوب الزائرين فيتوقّفون أمامها طويلًا وكأنهم لا يرون قِرَبًا وكفوفًا، بل يرون العلقمي ويرون العطش والوفاء.
هكذا يؤكد متحف الكفيل أن عرضه للنفائس ليس للزينة أو التوثيق فقط، بل هو عرضٌ من أجل تغذية الوجدان، من خلال استحضار عاشوراء في العتبة العباسية المقدسة .

علي نزار الحسيني
شعبة الاعلام المتحفي